تحت عنوان" المرأة.. ونهضة الأمة" عقدت إدارة الدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية مؤتمرها الأول برعاية ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.
واستمرت فعالياته على مدار ثلاثة أيام في الفترة من التاسع والعشرين من شهر مارس الماضي وحتى الواحد والثلاثين من الشهر نفسه.
نجح المؤتمر في حشد نخبة من العلماء والمفكرين ورائدات العمل النسائي في الوطن العربي لعل أبرزهم.. الشيخ سلمان بن فهد العودة "السعودية"، والدكتور عبد الكريم بكار، والدكتور محمد أبو الفتح البيانوني"سوريا".
والأستاذة الدكتورة نادية محمود مصطفى"مصر"، والشيخ محمد حسن ولد الددو"موريتانيا"، ومن المغرب الأستاذ الدكتور أبو زيد المقرئ الإدريسي، والدكتورة خديجة مفيد، والأستاذة نعيمة بن يعيش وغيرهم.
كما شهد المؤتمر على مدار أيامه الثلاثة خمس جلسات.. . فبدءا بمقومات المرأة كصانعة للنهضة، وإبداعاتها في هذا الحقل، ومرورا بالدور المأمول للمرأة والعمل النسائي في ظل المتغيرات، وختاما بدور المرأة "الكويتية"النهضوي المعاصر دارت نقاشات الجلسات، وطُرحت البحوث وقُدمت أوراق العمل المختلفة.
ثقي في ذاتك:
حقيقة لم تختلف كثيرا فعاليات جلسات المؤتمر الأولى في مضامينها النظرية السردية في الغالب عما سبق وقُدم في أكثر من مؤتمر عربي ناقش واقع المرأة العربية على اختلاف دول انعقاد تلك المؤتمرات.
وإذا جاز الاستثناء فلن يكون إلا من نصيب محاضرة الشيخ سلمان العودة، التي جمعت بين منهجية الرؤية وواقعية النظرة بما حملته من مضمون مختلف جذاب كلله الشيخ بمجموعة من النصائح الذهبية للمرأة مطالبا إياها:
بأن تثق في ذاتها وقدراتها وكفاءتها العقلية، غير معتمدة على تقييم الرجل لها؛ فالمرأة تستطيع القيام بكل أدوار الرجل وتزيد عليه دور رعاية الأسرة، مضيفا أن المرأة يجب أن تمسك بزمام المبادرة وتشعر بالمسئولية فهي ليست أبدا مواطنا من الدرجة الثانية.
كما قدم "العودة" في ختام حديثه عشر عناصر لمقومات نجاح المرأة تتمثل في: السعي للتميز، تحديد الأهداف، ترتيب الأولويات، التخطيط، التركيز، الإنجاز، الإيجابية والتفاؤل، البراعة الاتصالية، التصالح من النفس، عدم التوقف كثيرا أمام أخطاء الماضي.
بخلاف تلك المحاضرة لم يشعر المتابعون باختلاف حقيقي وجديد حرص المؤتمر على تقديمه إلا من خلال عرضه لنماذج مختلفة من تحديات العمل النسائي في مناحٍ شتىز
وهو ما ظهر جليا في عناصر الجلسة الثانية في اليوم الثاني والتي شهدت عرضا رائعا لسبع عشرة نموذجا نسائيا من مختلف الأقطار العربية وغير العربية تحمل كلا منها تجربة فريدة تروي تفاصيلها بفخر مخلوط بآلام سنين مضت من الكفاح والنضال والتحدي لتحقيق الحلم.
نماذجٌ تحدَّتْ:
عرضت الجلسة لنماذج عربية من الكويت، والسعودية، وقطر، واليمن، وفلسطين.
وكان أكثر النماذج إلهابا لمشاعر الحاضرين نموذج دولة فلسطين وهي السيدة مي برزق التي شحنت عواطف المتابعين بخليط من الشجن والأسى لما تتعرض له أرض المسرى اليوم من حملات تهويد واسعة.
وعمليات هدم مقننة ومدروسة للمسجد الأقصى، ثم قدمت شحنة من الأمل متمثلة في نساء الأرض المحتلة المرابطات الثابتات اللائي يقفن شامخات مستقبلات للتهاني لا التعازي في استشهاد الأبناء والآباء والأزواج.
داعية في نهاية حديثها علماء الأمة لدور أكثر فعالية في الدفاع عن القضية الفلسطينية، كما دعت نساء الأمة الإسلامية لنصرة أختهن في فلسطين بكل وسيلة وطريقة ممكنة. عرضت الجلسة كذلك لنماذج إفريقية.. من نيجيريا، وكينيا، والمغرب
مُسِنَّةٌٌ في أوج شبابها:
ورغم روعة التجارب الثلاث.. إلا أننا توقفنا كثيرا أمام "عائشة –بريدجيت- ليمو" تلك السيدة البيضاء المسنة ذات الملامح الأوروبية التي اتخذت من نيجيريا وطنا لها منذ عام 1966.
استعرضت عائشة تاريخ العمل الإسلامي للمرأة في نيجيريا.. بدءا من ذهاب الفتيات المسلمات للجامعات في العام 1960 للمرة الأولى، وتأسيسها منظمة"أمانة التربية الإسلامية" في عام 1969 وهي مؤسسة ينصب الاهتمام الرئيس فيها على الدعوة وبرامج التدريب الإسلامية.
ثم تشكيلها منظمة"اتحاد النساء المسلمات في نيجيريا" عام 1985 الساعية لتنظيم لقاءات بين النساء المسلمات لتقوية معلوماتهن الإسلامية وتنسيق الخدمات فيما بينهن في الداخل، ثم انتقلت للبحث عن المرأة المسلمة في الخارج..
في الساحل الغربي لإفريقيا، غانا، ليبيريا، سيراليون، جامبيا، والكاميرون عام 1993 مواجهة في سبيل ذلك مصاعب أقلها انعدام المعلومات، وأشدها وأخطرها التواجد في مناطق الحروب والنزاعات، والسفر بطائرات متهالكة عبر العواصف والرعود.
ثم افتتاح مدرسة ثانوية متطورة في العام 1995أصبحت بعد بضعة سنوات كلية" نيو هورايزنز" "الآفاق الجديدة" التي قدمت موادها الدراسية منظورا إسلاميا شيقا للعالم من حول الطالب.. . إنها امرأة فولاذية نحت الزمن على جبينها ووجنتيها علامات وخطوط الثبات والتفوق فلم يعد لآثار تقدم العمر ولا الشيخوخة مكان.
ولم يكن المؤتمر ليهمش أبدا دور مسلمات أوروبا وأمريكا واستراليا.. فكانت نماذج من روسيا، ألمانيا، سويسرا، الدنمارك، إكوادور، تكساس، ألاسكا، استراليا.
حصانةٌ ضد التفكك:
فمن روسيا حرصت "ريجينا هني" على التحدث بالعربية رغم الصعوبة الشديدة التي واجهتا.. تحدثت عن ربيع عام 921م وهو التاريخ الذي تعتبره الشعوب الإسلامية في روسيا بداية الاستقرار النهائي إذ اعتنقت شعوب البلغار الإسلام.
واعتبر الديانة الرسمية وذلك قبل مائة عام من اتخاذ المسيحية كدين لإمارة الروس، أما في العصر الحالي فنسبة المسلمين في روسيا تتراوح ما بين 14 إلى 25% من الإجمالي العام للسكان.
ثم خصصت الحديث بتناول وضع المرأة، وأشارت إلى أنه بالرغم من بدأ تنامي ظاهرة الحجاب الإسلامي في شوارع موسكو وفي أروقة جامعة بطرسبورج التاريخية إلا أن مشاكل عديدة تواجه المرأة منها: تعنت الأهل أحيانا والضغط في اتجاه ترك الالتزام وما يصحبه من عزلة تعيشها المسلمة أو رضوخ اضطراري.
الصورة النمطية السلبية عن المحجبات رغم تجريم القانون الروسي لتلك الأوصاف المزرية.
التمييز من طرف أرباب الأعمال فلا تجد المرأة سبيلا إلا في مؤسسة صاحبها مسلم.
ورغم تلك التحديات إلا أن الأسرة المسلمة في المجتمع الروسي تتميز بحصانة أكبر ضد التفكك الذي تعانيه بقية الأسر.
جليدٌ دافئ:
ومن روسيا إلى ألاسكا حيث الجليد الدائم الذي نجحت المرأة المسلمة هناك في إذابته.. تحدثت"هذر نويل" عن الإسلام وكيف أنه الديانة الأولى من حيث سرعة الانتشار في الولايات المتحدة الأمريكية وانه من بين كل 100 يعتنقون الإسلام هناك 60 امرأة في مقابل 40 رجلا.
ثم ذكرت ما يعانونه من تحديات تتمثل في عدم وجود مسجد ولا مدرسة للأطفال ولا إمام مدرَّب، هذا بالإضافة للتمييز الذي يعانونه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والمشاكل المجتمعية المتمثلة في إدمان الكحوليات والعنف الأهلي.
وفي مقابل ذلك عملت المرأة المسلمة في ألاسكا إلى جوار الرجل لمواجهة تلك التحديات فقاموا ببناء أول مركز مجمع إسلامي في ألاسكا يحتوي على مساحات كافية للصلاة للرجال وأخرى للنساء، ومدرسة إسلامية، ومركز رعاية للأطفال، وقاعة محاضرات.
أما ما يتعلق بالتمييز ضد المسلمين فقد تمثلت الحلول في تثقيف العامة بشأن الإسلام، وتقديم مناهجه في الكنائس الكاثوليكية والمعابد اليهودية، العمل مع قسم الأديان في جامعة ألاسكا وفتح باب الحوار مع الطلبة غير المسلمين، وأخيرا رعاية المسلمين في المستشفيات.
تلك النماذج وغيرها كانت أبرز ما ميز المؤتمر.. فتجاربهن ألهمت الحضور، وأشعرت الجميع بعظمة ديننا الحنيف.
عربيةٌ مائة بالمائة:
وبالرغم من روعة التجارب السابقة إلا أنها لن تنسينا ذكر تجارب أخرى عربية مائة بالمائة نجحت صاحباتها في التميز والإبداع وخلق حالات مختلفة لأفكار فريدة. . .
* فمن الإمارات طالعتنا أ/ موزة الجابري بورقة عمل لمشروع"الجنة أجمل" وهو مشروع إعلامي تربوي تطوعي يستقطب الخبرات المبدعة في شتى المجالات لخدمة فكرة التعريف بالجنة والطريق إليها، وإحياء حب الجنة وما فيها من نعيم خالد، بمعظم لغات العالم متضمنة لغات ذوي الاحتياجات الخاصة.
وكم كانت كلماتها عذبة بالغة الأثر وهي تقول: "استرجعت السبب الأول لاهتمامي بهذا الأمر فوقفت متحدية الشيطان والنفس والهوى، وجعلت رايتي في طريقي "وسارعوا" فآثرت عدم التأجيل وعدم الالتفات للمثبطين، مرددة دعاء لامس قلبي وأحيا همتي فضلا من الله"اللهم إني أبرأ إليك من حولي وقوتي وألجأ إلى حولك وقوتك في صلاح نيتي فإنك على ذلك قدير".
* ومن البحرين كانت "الزوجة الودود" المشروع الذي قدمته د. أمل عبيد وهو مشروع منبثق عن مؤسسة "بيت المودة" المتخصصة في الإرشاد والتوجيه والاستشارات المجتمعية بهدف تحقيق السكن في الأسرة وتحقيق المودة بين أفرادها.
ويتضمن مشروع "الزوجة الودود" برامج تثقيفية مجتمعية وصحية ودينية متخصصة لتنمية المودة والمحبة بين الزوجين وتعزيز الجو الآمن في الأسرة البحرينية.
* وأخيرا من الكويت كنا على موعد مع "مربية جيل النهضة" وهي ورقة عمل مقدمة من خمس شابات يافعات ينبضن بالطاقة والحيوية ويتمتعن بثقافة واسعة ويجمِّلهن حياء وطلة واثقة اجتمعن من مراكز دعوية شبابية مختلفة وجمعيات عمل أهلي وتطوعي ومراكز تدريب قيادية متنوعة اجتمعن سويا وقدمن تلك الورقة بهدف المساهمة في بناء جيل واع متميز بالتزامه بمنهج القرآن الكريم.
السعي لتوعية الشباب من خلال الأنشطة المتنوعة، وأخيرا المشاركة في نهضة الأمة الإسلامية من خلال تدريب وتنمية المهارات الدعوية للدعاة الشباب.
بتلك العروض انتهت المشاركات الفاعلة في المؤتمر وكان الختام وإعلان المقررات والتوصيات، وكالعادة أيضا في كل المؤتمرات لم تخرج التوصيات بجديد يلفت الانتباه أو يحوِّل ما جاء نظريا في المؤتمر إلى واقع عملي ملموس اللهم إلا أمرين:
الأول: الدعوة في التوصيات إلى سد الفراغ التشريعي في مجال حقوق المرأة وواجباتها وذلك من خلال صياغة وإقرار وثيقة خاصة بحقوق المرأة في الإسلام تصادق عليها الدول الإسلامية من خلال مجالسها التشريعية.
وتعتمد من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي لتكون المرجعية التي تنطلق منها الدول الإسلامية في مجال تقرير حقوق المرأة. توصية غاية في الأهمية ننتظر بلورتها لواقع في القريب العاجل.
الأمر الثاني: وهو مشروع استُلهمت فكرته من مضامين المشاركات والفعاليات المتنوعة التي حفل بها المؤتمر، ويحمل اسم"منتدى المرأة ونهضة الأمة" وهو منتدى نسائي عالمي يهتم بقضايا المرأة في مجالاتها المتنوعة ويؤطر لأدوارها التكاملية مع شريكها الرجل في تحقيق النهضة.
إذا من النهضة بدأنا وإلى النهضة ننتهي.. ثلاثة أيام حملت الكثير والكثير من الرسائل والمعاني التي كانت كافية جدا لتوجيه من أرادت أن تنهض وإرشادها للطريق الصحيح.. طريق يحمل إشارة ذات اتجاه واحد " انهضي ولو بذاتك".
الكاتب: نهال محمود مهدي
المصدر: موقع آسية